Hits: 421
how to carry the cross arabic christian articles

 

كيفَ نَحمِلُ الصَّليبَ - بقلم ليث مقادسي

 

اَلْجِهادُ القانونِيُّ

نقرَأُ في إنجيلِ مَرقُسَ عن لقاءِ الرّبِّ يسوعَ المسيحِ معَ شَخصٍ غَنِيٍّ، بادَرَ الأخيرُ المسيحَ سائِلاً "أيُّها المُعَلِّمُ الصَّالِحُ ماذا أَعمَلُ لِأَرِثَ الْحَياةَ الأبَدِيَّةَ؟ مرقس ١٠: ١٧ حيثُ أنَّ هذا الشخصَ يَظُنُّ - كما هو حالُ الكثيرينَ في هذا اليومِ - أنَّ هناكَ ثِمَّةَ أعمالاً ممكِنٌ إنجازِها لِغَرضِ الحُصولِ على مَلَكوتِ السَّماءِ وَمِثلُ هذا الغَنِيِّ اعْتَقَدَ أنَّ المَوضوعَ سَيَسهَلُ عليهِ كونُهُ غَنِيًّا لأنَّ الكثيرَ من الأعمالِ تَشمَلُ العطاءَ.

المسيحُ فاجَأَ هذا الإنسانَ بِجوابِهِ قائِلًا "19أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. لاَ تَسْلِبْ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ». 20فَأَجَابَ: «يَا مُعَلِّمُ هَذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي». 21فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ وَقَالَ لَهُ: «يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. اذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ».مرقس ١٠: ١٩-٢١ نُلاحِظُ جوابَ الرّبِّ فيهِ شَقَّينِ، الأولُ يخُصُّ علاقاتِهِ مع الآخَرينَ والثّاني مَعَ اللهِ وهذا هو الصَّليبُ، إذ نحنُ نستَمِدُّ قُوّةً مِنَ العَلاءِ حينَما نأخُذُ مَحبَّةَ الآبِ لكي نستطيعَ إعطاءَها للآخَرين.

الربُّ في هذا الْجَوابِ صَحَّحَ مفهومَ هذا الشخصِ بِخُصوصِ الخَلاصِ، وبيّنَ له أنَّ الأعمالَ الصّالِحَةَ ليس لها قيمَةٌ في تَبريرِنا ولكِن بالكَمالِ حَصرًا، والذي يتَحَقَّقُ باتِّباعِ الرّبِّ يسوعَ حَصرًا. هذا الاِتّباعُ يتطَلَّبُ الخِفَّةَ كي نستطيعَ حَملَ الصَّليبِ، تلكَ الخِفَّةُ التي نَحصَلُ عليها حينَما نتخَلَّصُ مِن أهمِّ عائِقٍ على هذِهِ الأرضِ وهو السَّعْيُ وراءَ الغِنَى وتَعَظُّمِ المَعيشَةِ. المَسيحُ بِمَحَبَّتِهِ لنا دَعانا لِعَيشِ الكَمالِ والِاستِقامَةِ كما أبانَا الكامِلَ. متى ٥: ٤٨ لأنَّ المُستَقيمينَ يَسكُنونَ الأرضَ والكامِلينَ يَبقَونَ فيها. أمّا الأشرارُ فيَنقَرِضونَ مِنَ الأرضِ والغادِرونَ يُستَأصَلونَ مِنها. أمثال ٢: ٢١-٢٢

ولكِن ما مَعنَى الكَمالُ والاستقامَةُ؟ يُجيبُ الإنجيلُ المُقَدَّسُ وهو يصِفُ أيوبَ قائِلًا: "كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عُوصَ اسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ كَامِلاً وَمُسْتَقِيماً يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. أيوب ١:١ لذلِكَ، فالشّقُّ الأوَّلُ مِن جَوابِ الرّبِّ كانَ يَخُصُّ الِاستِقامَةَ، أمّا الثاني فهُوَ للكمالِ، إذ أنَّ مَخافَةَ اللهِ تتحَقَّقُ في اتِّباعِ المَسيحِ مِن كُلِّ القَلبِ وحَمْلِ الصَّليبِ. هذا المُستَوى لن يَجعَلَ اللهَ الآبَ راضِيًا عنّا بل فَخورًا بِنَا، لأنَّ الآبَ أعطى الدَّينونَةَ لِلِابنِ.

لذلِكَ تَقْوَى اللهِ تتطلَّبُ الْجِهادَ، لا لِلوُصولِ لِلمَسيحِ فَحَسبُ، بَل لِلِامتِلاءِ لِقامَةِ مِلئِهِ، مِن هنا حثَّ المسيحُ هذا الشَّخصَ الغَنِيَّ على تَركِ كُلِّ شيءٍ أرضِيٍّ لِكَي ينعَمَ بما قَد أُعِدَّ لَهُ في المَلكوتِ ولِكَي يكونَ قادِرًا على التَّركيزِ، كوّنِ مَكانِ الكَنزِ مُرتَبِطًا بِمكانِ القَلبِ، إذ لا يُمكِنُ للإنسانِ المُتَّكِلِ على المالِ أن يَخدِمَ اللهَ مِن كُلِّ القَلبِ لأنَّهُ سيكونُ خائِفًا مِنَ العَوَزِ المادِّيِّ، إذ أنَّ اطْمِئنانَهُ باتَ مَحصورًا بِالأرضِيَّاتِ.

الْجِهادُ يجِبُ أن يكونَ قانونِيًّا لِكَي نَحصَلَ على الأكاليلِ، أي أن يَصِلَ في جِهادِهِ إلى حَدِّ مَوتِ شَهَواتِهِ وأهوائِهِ، وعليهِ أن يَقبَلَ كُلَّ صَليبٍ، كما يُضَحِّى الْجُندِيُّ بِحَياتِهِ لأجلِ المَلِكِ. على المَسيحِيِّ أن يُقَدِّمَ نفسَهُ ذَبيحَةً حَيَّةً (غل20:2) + (غل24:5) + (رو1:12). لكِنْ علَيهِ أن لا يُعَرِّفَ يَسارَهُ ما تَفعَلُهُ يمينُهُ أي لا يَشعُرَ بالبِرِّ الذّاتِيِّ، أوْ لا يَنسِبَ لِنَفسِهِ الفَوزَ. وكما أنَّ الفوزَ في المعارِكِ العادِيَّةِ يُنسَبُ لِلمَلِكِ لا لِلجُندِيِّ, هكذا النَّصرِ في معارِكِنا الرّوحِيَّةِ يُنسَبُ لِلمسيحِ (رو 3: 27، 28)، نَحسِبُ أنفُسَنَا كَلَا شَيءٍ والمسيحَ هو كُلُّ شَيءٍ، لا نَرَى في أنفُسِنا سِوَى أنَّنا عبيدٌ بطّالونَ وأنَّهُ هو الإلهُ الصَّالِحُ المُتَحَنِّنُ. المسيحُ بِنِعمَتِهِ يُسانِدُنا، ونحنُ ما علينا (إلّا) أنْ نُصَدِّقَ ونُنَفِّذَ الوَصِيَّةَ، فنَجِدُ النِّعمَةَ تُسانِدُنا، ولكِنْ علينا ألاّ نَفتَخِرَ (أف2: 8، 9)، ويُؤَكِّدُ الرّسولُ هذا في (1كو4: 7) لأنَّ مَن ينتَفِخُ يَسقُطُ في الكِبرياءِ.

نتعَلَّمُ مِنَ القِدّيسِ مار أفرامَ السّريانِيِّ التَّواضُعَ والبَسَاطَةَ على الرّغمِ مِن نُبوغِهِ وعَبقَرِيَّتِهِ، مُنكِرًا لِذاتِهِ هارِبًا مِنَ الباطِلِ، مار أفرامُ هو عَيِّنَةٌ فَريدَةٌ مِن رِجالِ اللهِ القِدّيسينَ، يدعوهُ السُّريانُ "قيثارَةُ الرّوحِ القدُسِ"، فقد قَدَّمَ لِلكنيسَةِ أناشيدَ روحِيَّةً بِلا حَصْرٍ، حمَلَت مَعَ نقاوَةِ الإيمانِ المُستقيمِ روحَ العِبادَةِ التَقَوِيَّةِ وعاطِفَةَ الحُبِّ المُتأَجِّجِ مع عُذوبَةِ الأسلوبِ وحَلاوَتِهِ، هذا وقد جاءَت حياتُهُ في مُجمَلِها سيمفونِيَّةً رائِعَةً، تَعزِفُ لنا النُّسكِيَّةَ الحازِمَةَ مع اهتمامٍ بخِدمَةِ الفُقَراءِ، وحَزْمٍ في العَقيدَةِ والتّعاليمِ الكَنَسِيَّةِ مع اتِّضاعٍ شَديدٍ!

مِن هنا علينا التَّشَبُّهَ بهكذا رِجالٍ ونُجاهِدُ بلا يَأسٍ، فإنْ سَقَطنا نقومُ "لاَ تَشْمَتِي بِي يَا عَدُوَّتِي. إِذَا سَقَطْتُ أَقُومُ" (مي7: 8)، وأيضًا لا نَيأَسُ مِن بُلوغِ المُستَوَياتِ العالِيَةِ. فاليأسُ ضِدَّ فِكرَةِ أنَّ المسيحَ هو الذي ينتَصِرُ وليسَ أنا. فعَلَيَّ الْجِهادُ بِرَجاءٍ ودونَ كِبرياءٍ أو شُعورٍ بالبِرِّ الذّاتِيِّ. والْجِهادُ يكونُ بالصَّومِ والصَّلاةِ "فهذا الْجِنْسُ الذي نُحارِبُهُ ويُحارِبُنا لا يَخرُجُ إلّا بالصَّلاةِ والصَّومِ". والصّومُ يعمَلُ بِهِ المُتسابِقونَ الرّياضِيّونَ، والصَّلواتُ الطّويلَةُ بِها نُمسِكُ بِاللهِ فيَهزِمُ هُوَ عَدُوَّنَا. ونحتاجُ لِدِراسَةِ الكتابِ، فكلِمَةُ اللهِ سِلاحٌ قوِيٌّ، وعلينا بالسَّهَرِ ومُحاوَلَةِ تَنفيذِ الوَصايا (فلا مَعنَى مثلاً للصَّلواتِ والخِدمَةِ دونَ مَحَبَّةٍ). فَاللّاعِبُ له مُدَرِّبٌ وكُلُّ لُعبَةٍ لها قَوانينُها، وحياتُنا مَعَ المَسيحِ لها وصايا علينا أن نُجاهِدَ لنُنَفِّذَهَا. والحَرَّاثُ يحرُثُ الأرضَ لِيَزرَعَها، وَينتَظِرُ بثِقَةٍ نُمُوَّ النّباتِ ليَفرَحَ، وهكذا فَلْنُجاهِدْ بثِقَةٍ وَصَبْرٍ لِنُكَلَّلَ بدونِ ارتِباكٍ بِأُمورِ الحَياةِ، فَلْنَعْمَلْ ولَكِنَّ القَلبَ يكونُ مُكَرَّسًا للهِ، لِيَكُنِ العَمَلُ وسيلَةً نعيشُ بها ولكِنْ لا يكونُ هَدَفًا يُشغِلُ القَلبَ سِوى مَجدُ المَسيحِ. راجِع تَفسيرَ (1تى1: 8).

مواسِمُ الرّبِّ

كي أستطيعَ حَملَ الصَّليبِ بِفَرَحٍ ورِضًى عليَّ إدراكُ العُمقِ الرّوحِيِّ لمَواسِمِ الرّبِّ الوارِدَةِ في سِفرِ اللاوِيّين، إذ يقولُ الرّبُّ:

في الشَّهرِ الأوّلِ في الرّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهرِ بَينَ العَشاءَينِ فِصحٌ لِلرَّبِّ.لاويين ٢٣: ٥

عيدُ الفِصحِ: كَلِمَةُ فِصحٌ بالعِبرِيَّةِ بِسحا (Pessha) وباليونانية بَسخا (Paskha) وتَعنِى العُبورَ. فهو تَذكارُ عُبورِ المَلاكِ المُهلِكِ في مِصرَ ونَجاةِ أبكارِ بني إسرائيلَ، ثُمَّ عُبورِهِم مِن أرضِ العُبودِيَّةِ لأرضِ الحُرّيّةِ. وكان يُقَدَّمُ بينَ العَشاءَينِ = غالباً السّاعَةِ الثالثةِ ظُهراً إلى السّاعَةِ الخامِسَةِ ظُهراً، أو بينَ السّاعةِ الثالثَةِ ظُهراً إلى حُلولِ الظُّلمَةِ على الأرضِ. وكانَ كَثيرونَ مِنَ اليَهودِ يَأتونَ مِنَ الشِّتاتِ ويَنصُبونَ خِيَمَهُم على جَبَلِ الزَّيتونِ، ومِن هُنا نُدرِكُ الأعدادَ الهائِلَةَ والاحتِفالَ الهائِلَ بالمَسيحِ عِندَ دُخولِهِ أورشَليمَ.

في الشَّهرِ الأوّلِ = هو شَهرُ أبيب كما ذُكِرَ اسمُهُ في التَّوراةِ وتَمّتْ تَسمِيَتُهُ نيسانُ في غيرِ التّوراةِ وذلك بعدَ السّبيِ، نَقلًا عَنِ البابِلِيَّةِ. والفِصحُ يَتَّضِحُ في العَهدِ الْجَديدِ أنَّهُ هو المَسيحُ. وكانَ شَهرُ أبيب هو السّابِعَ فجَعَلَهُ اللهُ الأوّلَ لأنَّ آدَمَ الأخيرَ(المسيحُ) بِصَليبِهِ قد بَدَأَ كُلَّ شَيءٍ جَديداً (2كو5: 17).

في الرابِعَ عَشَرَ = توجَدُ فَترتانِ مِن أوَّلِ الشَّهرِ إلى يَومِ ذَبحِ الخَروفِ. الفترَةُ الأولى 10 عَشرَةُ أيّامٍ بَعدَها يُؤخَذُ الخروفُ ويوضَعُ تَحتَ الحِفظِ والفترَةُ الثّانيَةُ أربعَةُ أيّامٍ، ثُمّ يُذبَحُ في اليَومِ الرّابِعَ عَشَرَ. فالفَترَةُ الأولى تُشيرُ إلى حَياةِ الرّبِّ يَسوعَ مِن وِلادَتِهِ إلى بَدءِ خِدمَتِهِ في سِنِّ الثّلاثينَ. والفَترَةُ الثّانِيَةُ تُشيرُ لِفَترَةِ خِدمَتِهِ (5,3 سنة، ثلاثُ سَنواتٍ ونِصفُ السَّنَةِ) ولاحِظْ أنَّهُ دَخلَ أورشليمَ يومَ الأحَدِ وصارَ تَحتَ الحِفظِ إلى أن أمسَكوهُ يَومَ الخميسِ (ِمِن 10 – 14 = الأحدُ حتى الخميسِ).

وكانوا يَأكُلونَ الخَروفَ مَشوِيّاً، رأسَهُ مَعَ أكارِعِهِ وجَوفِهِ. ونَحنُ حينَ نَتناوَلُ جَسَدَ المَسيحِ يَنبَغي أن تَكونَ لنا أفكارَهُ وسُلوكَهُ وَوَداعَتَهُ ومَحَبَّتَهُ. وكانوا يأكلونَهُ وأحقاءَهُم مُمَنطَقَةٌ كَمَن على سَفَرٍ وهكذا نَحنُ في غُربَتِنا.

ثم يُكْمِلُ الرّبُّ ويقولُ... وَفِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ عِيدُ الْفَطِيرِ لِلرَّبِّ. سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَأْكُلُونَ فَطِيراً. فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ يَكُونُ لَكُمْ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ. عَمَلاً مَا مِنَ الشُّغْلِ لاَ تَعْمَلُوا. وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تُقَرِّبُونَ وَقُوداً لِلرَّبِّ. فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ يَكُونُ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ. عَمَلاً مَا مِنَ الشُّغْلِ لاَ تَعْمَلُوا. لاويين ٢٣: ٦-٨

 

عيدا الفِصحِ والفَطيرِ عيدانِ مُتمايِزانِ فعيدُ الفِصحِ في الرابعَ عشرَ من أبيب وعيدُ الفَطيرِ سبعةُ أيّامٍ يبدَأُ في الخامِسَ عَشَرَ 15 من أبيب ولمدَّةِ سبعَةِ أيّامٍ ويَنتَهِي يومَ الحادي والعشرين من أبيب. ونظراً لِالتِصاقِهِما صارَا فيما بعدُ عيداً واحِداً. والخميرُ يُشيرُ لِلشَّرِّ (1كو5: 6 – 8). ولأنَّ رقمَ سبعةَ رقمٌ كامِلٌ يكونُ المَعنى اعتِزالُ الشّرِّ نِهائِياً. وكانَ الخَميرُ يُنزَعُ مِنَ البَيتِ إشارَةً لأهمِيَةِ نَزعِ الشَّرِّ مِنَ الكَنيسَةِ كُلِّها "اِعزِلوا الخبيثَ مِن بَينِكُمْ" 1كو5:13 + خر12: 15).

وكانَ عيدُ الفَطيرِ يُشيرُ لخُروجِهِم مِن مِصرَ، ففي خُروجِهِمْ حَمَلَ الشَّعبُ عَجينَهُم قبلَ أنْ يَختَمِرَ (خر12: 34). وهكذا نحنُ إذا أرَدنا أن نَحمِلَ الصَّليبَ علينا أن لا نَضَعَ أيَّ شَرٍّ في قُلوبِنا أو أن نَعزِلَهُ لَو وُجِدَ وَنَتَخَلّى عَنهُ.

وارتباطُ الفِصحِ بِالفَطيرِ واضِحٌ أنَّه بَعدَ أن ذُبِحَ المَسيحُ لأجلي كيفَ أسمَحُ بوُجودِ خَطِيَّةٍ في حَياتِي. (وهذا لمُدَّةِ العُمرِ كُلِّهِ = سبعةُ أيامِ فَطيرٍ) (1كو5: 7، 8).

سبعَةُ أيامٍ تُقَرِّبونَ وُقودًا = أي تُقَرِّبونَ ذَبائِحَ (عد28: 19 – 23) بالإضافَةِ للتّقدِماتِ الِاختِيارِيَّةِ لِكُلِّ فَردٍ. وكانَ عيدُ الفَطيرِ يُسَمّى خُبزُ الحُزنِ أو خُبزُ المَشَقَّةِ (تث16: 3) فهو يُشيرُ للمَرارَةِ الّتي عاشَها الشّعبُ في عُبُودِيَّتِه، يَذكُرونَ هذا دائِماً فيُسَبِّحونَ اللهَ. ولنا تُشيرُ إلى أهمِيَةِ جِهادِنا وصُعوبَتِهِ ونحنُ نَحمِلُ الصَّليبَ في فَترَةِ غُربَتِنا لِنَصيرَ فَطيراً بِلا خَميرٍ. فنَعبُرُ إلى الرّاحَةِ الأبدِيَّةِ.

ثم يُكمِلُ الرّبُّ قائِلًا ... 9وقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: 10«قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: مَتَى جِئْتُمْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنَا أُعْطِيكُمْ وَحَصَدْتُمْ حَصِيدَهَا تَأْتُونَ بِحُزْمَةِ أَوَّلِ حَصِيدِكُمْ إِلَى الْكَاهِنِ. 11فَيُرَدِّدُ الْحُزْمَةَ أَمَامَ الرَّبِّ لِلرِّضَا عَنْكُمْ. فِي غَدِ السَّبْتِ يُرَدِّدُهَا الْكَاهِنُ. 12وَتَعْمَلُونَ يَوْمَ تَرْدِيدِكُمُ الْحُزْمَةَ خَرُوفاً صَحِيحاً حَوْلِيّاً مُحْرَقَةً لِلرَّبِّ. 13وَتَقْدِمَتَهُ عُشْرَيْنِ مِنْ دَقِيقٍ مَلْتُوتٍ بِزَيْتٍ وَقُوداً لِلرَّبِّ رَائِحَةَ سُرُورٍ وَسَكِيبَهُ رُبْعَ الْهِينِ مِنْ خَمْرٍ. 14وَخُبْزاً وَفَرِيكاً وَسَوِيقاً لاَ تَأْكُلُوا إِلَى هَذَا الْيَوْمِ عَيْنِهِ إِلَى أَنْ تَأْتُوا بِقُرْبَانِ إِلَهِكُمْ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً فِي أَجْيَالِكُمْ فِي جَمِيعِ مَسَاكِنِكُمْ. لاويين ٢٣: ٩-١٤

 

عيدُ الباكورَةِ

هذا العيدُ يُوافِقُ حَصادَ الشَّعيرِ. وقَدِ ارتبطَ عيدُ الباكورَةِ مع عيدَيِ الفِصحِ والفَطيرِ وعيدِ الخمسينَ. فعيدُ الباكورَةِ يُحتَفَلُ بِهِ خلالَ أيّامِ عيدِ الفَطيرِ، ويَأتي عيدُ الخمسينَ بَعدَهُ بِخَمسينَ يَوماً. ويُعتَبَرُ أوّلَ الأعيادِ الزّراعِيَّةِ، ومارَسَهُ الشّعبُ بعدَ دُخولِهِم أرضَ كَنعانَ. وكانَ الشَّعبُ يُمارِسُهُ بِطَقسٍ بَهيجٍ للغايَةِ غايَتُهُ تَقديمُ الشُّكرِ للهِ واهِبِ الخيراتِ. وفيه كانت تُقَدَّمُ حُزمَةُ البُكورِ ليَتَقَدَّسَ الحَصادُ كُلُّه، ولم يَكُن مُمكِناً أن يأكُلَ أحَدٌ مِنَ المَحصولِ الْجَديدِ في أيِّ صورَةِ مِنَ الصُّوَرِ. وكان بعدَ أن يَتِمَّ ترديدُ أوّلِ حُزمَةٍ يُعرَضُ المَحصولُ الْجَديدُ لِلبَيعِ في الأسواقِ. (إذاً فَلْنَهْتَمَّ بتقديمِ بُكورِنا). مِن هُنا نَجاحُنا في حَملِ الصَّليبِ يَتَحَقَّقُ مِن خِلالِ نَجاحِنا في تَقديمِ أنفُسِنا بالكامِلِ لعَمَلِ الرّوحِ القُدُسِ بِفَرَحٍ.

وكانَ ثلاثَةُ شُيوخٍ مِن مَجمَعِ السَّنَهدَريمِ يَخرُجونَ في اليَومِ السّابِقِ لعيدِ الفِصحِ ليَحصُدُوا في الحُقولِ المُجاوِرَةِ لأورشليمَ مِنَ الشَّعيرِ بينَ هُتافاتِ الشَّعبِ. وكانَ الكاهِنُ يُرَدِّدُ حُزمَةَ الشَّعيرِ أمامَ الرّبِّ ليَرضَى عن شَعبِهِ، ويُكَلِّلَ السَّنَةَ الزِّراعِيَّةَ بالبَرَكَةِ. وبعدَ التّرديدِ تَصيرُ الحُزمَةُ مِن نَصيبِ الكَهَنَةِ والمَعنَى أنَّ هذِهِ البَرَكَةَ يا رَبُّ مِنكَ. وغالِباً كانَ التّرديدُ يَتِمُّ بعدَ تَحميصِ الحُبوبِ وطَحنِها في هاوَنٍ ثُمَّ نَخلِها ليُقَدِّمَ الكاهِنُ مِلءَ قَبضَةِ يَدِهِ مِنَ الدّقيقِ النّاعِمِ بعدَ أن يَلُتَّهُ بالزَّيتِ.

وهذِهِ الحُزمَةُ تُمثلُ شخصَ السّيّدِ المسيحِ الذي يُقَدِّمُ حياتَهُ تَقدِمَةَ سُرورٍ للآبِ على نارِ الصَّليبِ، وكَرَمزٍ لهذا، يُقَدِّمونَ خَروفًا مُحرَقَةً. والمسيحُ قَدَّمَ نفسَهُ لكي يَتبارَكَ فيه كُلُّ الحَصادِ (الكنيسةُ) بأنْ نَشتَرِكَ في حَياتِهِ الأبدِيَّةِ، حياتِهِ المُقامَةِ مِنَ الأمواتِ. ويشيرُ لهذا تِقدِمَةُ الدّقيقِ (الدّقيقُ يُشيرُ للحياةِ التي حَصَلنا عليها بِقِيامَةِ المسيحِ) مَلتوتٍ بِزَيتٍ (والزيتُ رَمزٌ للروحِ القُدُسِ الذي يُثَبِّتُ حياةَ المَسيحِ فينا). وهذا الدقيقُ المَلتوتُ بالزيتِ يُقَدَّمُ وُقودًا للرّبِّ رائِحَةَ سُرورٍ (أي يُقَدَّمُ على نارِ المَذبَحِ فَيتَقَبَّلُهُ اللهُ رائِحَةَ سُرورٍ). وهذا يَعنى أنّه علينا أنْ نُقَدِّمَ حياتَنا التي حصَلنا عليها لِمَجدِ اللهِ "10لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا لِلَّهِ. 11كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتاً عَنِ الْخَطِيَّةِ وَلَكِنْ أَحْيَاءً لِلَّهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا" (رو6: 10، 11) + "فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ" (1كو6: 20). وهذا ما يُفرِحُ اللهَ أنْ نُقَدِّمَ حياتَنا لَهُ ونَحمِلَ الصَّليبَ.

ثمَّ يُكمِلُ الربُّ قائِلا... 15ثُمَّ تَحْسِبُونَ لَكُمْ مِنْ غَدِ السَّبْتِ مِنْ يَوْمِ إِتْيَانِكُمْ بِحُزْمَةِ التَّرْدِيدِ سَبْعَةَ أَسَابِيعَ تَكُونُ كَامِلَةً. 16إِلَى غَدِ السَّبْتِ السَّابِعِ تَحْسِبُونَ خَمْسِينَ يَوْماً ثُمَّ تُقَرِّبُونَ تَقْدِمَةً جَدِيدَةً لِلرَّبِّ. 17مِنْ مَسَاكِنِكُمْ تَأْتُونَ بِخُبْزِ تَرْدِيدٍ. رَغِيفَيْنِ عُشْرَيْنِ يَكُونَانِ مِنْ دَقِيقٍ وَيُخْبَزَانِ خَمِيراً بَاكُورَةً لِلرَّبِّ. 18وَتُقَرِّبُونَ مَعَ الْخُبْزِ سَبْعَةَ خِرَافٍ صَحِيحَةٍ حَوْلِيَّةٍ وَثَوْراً وَاحِداً ابْنَ بَقَرٍ وَكَبْشَيْنِ مُحْرَقَةً لِلرَّبِّ مَعَ تَقْدِمَتِهَا وَسَكِيبِهَا وَقُودَ رَائِحَةِ سُرُورٍ لِلرَّبِّ. 19وَتَعْمَلُونَ تَيْساً وَاحِداً مِنَ الْمَعْزِ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ وَخَرُوفَيْنِ حَوْلِيَّيْنِ ذَبِيحَةَ سَلاَمَةٍ. 20فَيُرَدِّدُهَا الْكَاهِنُ مَعَ خُبْزِ الْبَاكُورَةِ تَرْدِيداً أَمَامَ الرَّبِّ مَعَ الْخَرُوفَيْنِ فَتَكُونُ لِلْكَاهِنِ قُدْساً لِلرَّبِّ. 21وَتُنَادُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَيْنِهِ مَحْفَلاً مُقَدَّساً يَكُونُ لَكُمْ. عَمَلاً مَا مِنَ الشُّغْلِ لاَ تَعْمَلُوا. فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً فِي جَمِيعِ مَسَاكِنِكُمْ فِي أَجْيَالِكُمْ. 22وَعِنْدَمَا تَحْصُدُونَ حَصِيدَ أَرْضِكُمْ لاَ تُكَمِّلْ زَوَايَا حَقْلِكَ فِي حَصَادِكَ وَلُقَاطَ حَصِيدِكَ لاَ تَلْتَقِطْ. لِلْمِسْكِينِ وَالْغَرِيبِ تَتْرُكُهُ. أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ. لاويين ٢٣: ١٥-٢٢

نُلاحِظُ أنَّ الوَحيَ عندَ كلامِهِ عن هذا العيدِ لم يفتَتِحِ الكلامَ في عيدِ الخمسينَ بقولِهِ: "وَكَلَّمَ الربُّ موسى قائِلاً"، لأنَّ الباكورَةَ والحَصادَ مرتبطانِ معًا وهي أعيادُ فَرَحٍ، يُذَكِّرانِهِم بِدُخولِ أرضِ المَوعِدِ والخيراتِ التي يُفيضُ بِها اللهُ عليهِم.

لذلكَ حَمْلُ الصَّليبِ يَجِبُ أنْ يكونَ بِفَرَحٍ لأنَّهُ يُذَكِّرُنا دومًا بالأمجادِ الأبدِيّةِ التي فُتِحَت لنا مِن خِلالِ عَمَلِ الربِّ يَسوعَ المسيحِ على الصَّليبِ، أما الفِصحُ والفَطيرُ فَيُذَكِّرانِ الشَّعبَ بِحياةِ العُبُودِيّةِ وحياةِ المَشَقَّةِ. فهُنا اللهُ كأنّهُ حينَ يقولُ: "وكَلَّمَ الربُّ موسى"  يُعطِي وَعدًا أنَّهُ بَعدَ الضّيقِ لا بُدَّ أنْ يَأتِيَ الفَرَجُ، وبَعدَ الحُزنِ يَأتِي الفَرَحُ "الَّذِينَ يَزْرَعُونَ بِالدُّمُوعِ يَحْصُدُونَ بِالاِبْتِهَاجِ". هذه مثل قول السيد المسيح  فَأَنْتُمْ كَذَلِكَ عِنْدَكُمُ الآنَ حُزْنٌ. وَلَكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضاً فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ)) (يو16: 22). من هنا فإنَّ ألَمَ الصّليبِ هو دائِمًا وَقتِيٌّ ويَنتَهِي بِفَرَحٍ. عُمومًا هذِهِ الأعيادُ وَحدَةٌ واحِدَةٌ وهكذا أيضاً في المسيحِيَّةِ فهي وَحدَةٌ واحِدَةٌ (صَليبٌ / قِيامَةٌ / حُلولُ الرّوحِ القُدُسِ). وقد سُمِّيَ هذا العيدُ بِعيدِ الأسابيعِ لأنّهُ يأتِي بعدَ سبعةِ أسابيعَ مِن عيدِ الباكورَةِ، وفي هذا اليومِ حَلَّ الروحُ القُدُسُ على الكنيسَةِ المُجتَمِعَةِ في العِلِّيَّةِ. وهو أيضاً عيدٌ زراعِيٌّ كالباكورَةِ. ويُسَمّى عيدُ الحَصادِ (خر23: 16) إذ يأتي في خِتامِ مَوسِمِ الحَصادِ بعدَ نُضجِ القَمحِ. ونُسَمِّيهِ عيدَ تَأسيسِ الكَنيسَةِ، ففي هذا اليَومِ حلَّ الروحُ القُدُسُ على الكَنيسَةِ ليُؤَسِّسَها، وَبِعِظَةِ بُطرسَ آمنَ 3000 ثلاثَةُ آلافِ نفسٍ. وبَدَأ الحَصادُ بعدَ أنِ ابْيَضَّتِ الحُقولُ. وكانَت غايَةُ هذا العيدِ بِالنِّسبَةِ لليهودِ تَقديمَ الشّكرِ للهِ بِمُناسَبَةِ حَصادِ القَمحِ، خِلالَ طَقسِ فَرَحٍ جَماعِيٍّ.

من هُنا نوجِزُ مَواسِمَ الربِّ لِكَي نُدرِكَها ونحنُ نَعيشُ حياةَ حَملِ الصَّليبِ كي نَستطيعَ مُمارسَةَ فرحِ النَّصرِ ونحنُ نسيرُ بهذا المِشوارِ المُقَدَّسِ:

الفِصحُ - معناهُ عند اليَهودِ (الحريةُ مِن عُبودِيَّةِ فِرعَونَ) وَبِروحِ العَهدِ الْجَديدِ يَعني (صَلبُ المَسيحِ لِيُحَرِّرَنا مِن إبليسَ)

الفَطيرُ - معناهُ عندَ اليَهودِ (خلاصٌ مِن خَميرِ مِصرَ (مَحَبَّةُ العالَمِ) وَبِروحِ العَهدِ الْجَديدِ يَعني (خَلعُ الإنسانِ العَتيقِ (حياةٌ جديدَةٌ)

الباكورَةُ - معناهُ عندَ اليهودِ (بَدءُ حَياةٍ جَديدَةٍ (دُخولُ الأرضِ)) وَبِروحِ العَهدِ الْجَديدِ يَعني (القيامَةُ / تَمتَّع بالمسيحِ المُقامِ بِالاتحادِ به)

الخَمسينَ - مَعناهُ عندَ اليَهودِ (تَمتُّعٌ بكامِلِ خَيراتِ أرضِ المَوعدِ) وَبِروحِ العَهدِ الْجَديدِ يَعني (الروحُ القُدُسُ يُمَتِّعُنا بِالمسيحِ البِكرِ خِلالَ الشَّرِكَةِ)

اختبارُ سلامِ الرّبِّ

قالَ الربُّ يسوعُ المسيحُ: "29اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. 30لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ". متى ١١: ٢٩-٣٠

مَرَّةً أخرى الربُّ يرغَبُ لنا بِحَمْلِ الصَّليبِ ونُفُوسَنا مُرتاحَةٌ كما أنَّه يريدُ أن يُعلِنَ لِيَ أسرارَ السّماءِ، ولكِنَّ ما يَمنَعُنِي هو خَطِيَّتِي. وهنا المسيحُ يَدعو الخُطاةَ أن يَأتُوا إليهِ لِيُريحَهُم، ويدعو المُتألِّمينَ والمُضطَهَدينَ أن يَأتُوا إليهِ فَيُريحَهُم (آية28) فَيعرِفُوا أسرارَ اللهِ. وهنا سيتساءَلُ بعضُهُم، كيفَ اَستطيعُ أن أَتَخلَّصَ مِن خَطِيَّتِي المَحبوبَةِ، كيف اَستطيعُ أن أُنَفِّذَ هذِه الوصِيَّةَ الصَّعبَةَ التي أرَى اسْتحالَةَ تنفيذِها، كيفَ يَحمِلُ عنّي المسيحُ همًّا أُعاني منه أو مِنِ اضْطِهادٍ واقِعٍ عليَّ؟ كيف يُعَزّيني المسيحُ وأنا مُتألِّمٌ خائِفٌ مِن مَرضٍ خَطيرٍ أعاني مِنهُ؟ والمسيحُ يرُدُّ: اِحمِلوا نِيري, والنِّيرُ هو العَصا التي تَربُطُ ثَورَينِ إلى المِحراثِ. ولكنْ تَصوَّرْ أننا رَبَطنا حَمَلاً صغيراً مع ثورٍ بنيرٍ واحِدٍ، فالّذي سوفَ يحمِلُ كُلَّ الحِملِ هو الثّورُ. وهذا ما يَدعوني إليه المسيحُ، اِرتَبِطْ بي = تعالَ إلىَّ وسوف ترى أنكَ ستكونُ قادِراً على تنفيذِ الوَصِيَّةِ، وستجِدُ تَعزِيَةً، فأنا الذي سأعمَلُ كُلَّ شَيءٍ حقيقَةً. وهذه التّعزياتُ هي التي تَجعَلُ الحِمْلَ خفيفًا مَهما اشْتَدَّتِ الضِّيقَةُ أو مَهما كانَ ثِقَلُ الوَصِيَّةِ، و"بِدونِي لا تَقدِرونَ أنْ تَعمَلُوا شَيئاً" (يو5:15).

ويقولُ بولسُ الرّسولُ: "أستطيعُ كُلَّ شَيءٍ في المَسيحِ الذي يُقَوّيني" (في13:4). تصوَّر مَعي أنّني طلبتُ مِنكَ أن تَحمِلَ رَجُلاً ثقيلاً جِدّاً يقِفُ في البحرِ وأنتَ لا تَعلَمُ شيئاً عن قانونِ الطّفْوِ. ستقولُ لي لا يُمكِنُني حَملُهُ. ولكِنْ لو تَقَدَّمتَ لِتَحمِلَهُ سَتَجِدُهُ خَفيفاً جِدّاً بسبَبِ قُوَّةِ حَمْلِ الماءِ الخَفِيَّةِ لَهُ. إذاً تعالَ للمسيحِ بأن تُحاوِلَ أن تُنَفِّذَ الوَصِيَّةَ وستجِدُ هذا سَهلاً جِدّاً، لأنّ المسيحَ هو الذي يَقومُ بِالعَمَلِ عنكَ. ولكنَّه لَن يقومَ بِالعَمَلِ إلاّ إذا تقدَّمتَ وحاوَلتَ، حينئِذٍ ستكتَشِفُ قوّةَ المسيحِ الخَفِيَّةِ التي لا يكتشِفُها إلاّ كُلُّ مَن حاوَلَ.

تقدَّم بإيمانٍ وحاوِل, فَنيرُهُ هَيِّنٌ وحِملُهُ خَفيفٌ (رو5:10-11). أمّا إبليسُ فيَعرِضُ عليَّ أن أرتبِطَ معَهُ عارِضاً علَيَّ الخَطِيَّةَ، ولكنْ مَن يَرتَبِطُ معهُ يَحيَا في كآبَةٍ. مَهما كانَت وَصايا المسيحِ فهي خفيفَةٌ بِجانِبِ الحِمْلِ الثَّقيلِ الذي سنحمِلُهُ لَوِ ارْتَبَطنا مع إبليسَ بِرِباطاتِ الخَطِيَّةِ التي يَربُطُنا بِها لَو قَبِلنا الَّلذَّاتِ التي يِعرِضُها علَينا. وبنفسِ الطَّريقَةِ نَجِدُ أنَّ مَنِ ارتَبَطَ بالمسيحِ وأَتَتْ عليهِ شِدَّةٌ تَجِدُ قلبَهُ مَملوءًا تَعزِيةً إلهِيَّةً، فالمَسيحُ حَمَلَ عنهُ هذا الألَمَ.

مثالٌ: ربما لم يَكُنْ في إسرائيلَ فَتاةً بِجمالِ دَليلَةَ. ولكِن إذا كانَ شمشونُ قد تزوَّجَ بِفَتاةٍ شَريفَةٍ عفيفَةٍ=(الوصيةُ) ولكِنَّها ليستْ بِجَمالِ دَليلَةَ=(الخَطِيَّةُ)، لكانَ عاشَ في فَرَحٍ ونَصرٍ، ربّما يكونُ هناكَ ضيقٌ لأنَّ دَليلَةَ أجملُ= (لَذَّةُ الخَطِيَّةِ) ولكِنْ قارِنْ خِفَّةَ حِمْلِ أن يَتَزَوَّجُ بِفَتاةٍ أقَلَّ جمالاً، مع حِمْلِ فُقدانِ عَينَيهِ وقوَّتِهِ وكرامَتِهِ وحُرِّيَتِهِ. إذاً الوصيةُ هيَ نِيرٌ هَيِّنٌ.

ماذا إذن: فَلْنَغْصُبْ أنفُسَنا على تَنفيذِ وصايا المسيحِ التي رُبَّما نَشعُرُ بِحِمْلِها، لكِنَّ حِملَها أخَفُّ بما لا يُقاسُ مِن رِباطاتِ إبليسَ وعُبُودِيَّتِهِ وحياةِ الحُزنِ والألمِ لو قَبِلنا الخَطايا مِن يَدِهِ. لذلِكَ فَمَلكوتُ السّمَوَاتِ يُغصَبُ. وَلْنُلاحِظْ أنَّ مَن يَزرَعْ بِالدُّموعِ يَحصُدْ بِالابتهاجِ، فإذا بَدأنا بِالتَّغَصُّبِ والشُّعورِ بالمَرارَةِ سَريعاً ما سنشعُرُ بِالفَرَحِ.

وهناك شرطٌ آخَرُ أنْ نتعَلَّمَ مِن المَسيحِ الوَداعةَ والتّواضُعَ، فاللهُ يَسكُنُ عندَ المُتَواضِعِ (مَن أسماهُمُ المسيحُ أوّلاً الأطفالَ الصِّغارَ) = تَعَلَّمُوا مِني فَمَن يُحاوِلُ حَملَ الصَّليبِ ومَن يَتَعَلَّمُ مِنَ المسيحِ سَيدخُلُ طريقَ المَعرِفَةِ الحقيقِيَّةِ للآبِ، واكتشافِ محبَّتِهِ الغافِرَةِ = فتَجِدُوا راحَةً لنُفُوسِكُم.

أُصَلِّي أن يكونَ تَأمُّلُنا لهذا اليومِ سببَ بَرَكَةٍ لحياتِكُم والآخَرينَ ودُمتُم في أمجادِ المَلكوتِ.

 

هل لديك استفسار؟ اكتب لنا رايك من خلال This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.