عبرانيين 1-3

آية 3: "الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَأمِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَأيَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي."

بهاء مجده = في آية 3 نرى طبيعة الابن وعلاقته بالآب وطبيعة عمله الذي أتى ليعمله حين تجسد.وقوله بهاء مجده فلأن المسيح الابن هو الإشعاع البهي لطبيعة الله المجيدة، الابن هو نور من نور كان مع الآب منذ الأزل لأن الله على الدوام يشع الضياء ولم يوجد أبدًا كشمس منطفئة. إذًا هذا التعبير يشير لأزلية الابن. فالآب نور ولا يوجد نور بدون بهائه وإشراقه. بهاء النور لا ينفصل عن النور، بل هو واحد معه. ومن هنا فهم الآباء اصطلاح نور من نور ووضعوه في قانون الإيمان وكون طبيعة الله نورانية فهذا يظهر من لمعان وجه موسى حين رأى جزء يسير من مجد الله. ولكن مع موسى فلقد انعكس على وجهه بهاء خارجي، أما المسيح فهو البهاء بعينه غير منفصل عن الآب هو نور من مجد الله مرتبط بالله ومتحدا به ونابع منه.

المجد : أول مرة نسمع فيها عن المجد في الكتاب المقدس كانت في (تك1:31) حينما إعتبر أولاد لابان أن قطيعا من الغنم هو مجد أبيهم ولكن الله عبر الكتاب المقدس إرتفع بالفكر الإنساني حتى سمعنا هذه الآية في (زك5:2) "أكون مجداً في وسطها". ومن هنا فهمنا أن المجد هو شيء خاص بالله فقط أو فلنقل أنه هو الله، ونحن نكون في مجد إذا كان الله معنا وفي وسطنا وللأسف فإن كثيرين للآن مازالوا يفكرون بعقلية أبناء لابان متصورين أن المجد هو في النقود والثروات والقصور... إلخ.

ونحن لن نفهم طالما نحن على الأرض معنى كلمة مجد. فربما كانت تعني النور أو تعني العظمة أو تعني الروعة أو تعني القدرات والقوة وقد تعني هذا كله.

وما يظهر من النور هو اللمعان.

وما يظهر من المجد هو البهاء.

ولا يوجد نور بدون لمعان ولا لمعان بدون نور.

ولا يوجد مجد بدون بهاء ولا بهاء بدون مجد.

ولأننا لا نستطيع أن نرى الآب فلقد ظهر لنا بهاءه فكان المسيح هو استعلان للآب لذلك قال المسيح مَنْ رآني فقد رأى الآب (يو9:14).

رسم جوهره = هو الرسم الدقيق والصورة الحية لجوهر الآب أي أنه مساو للآب يحمل خصائص جوهر الآب ويحمل سماته بكل دقة وكمال. هو ليس مشابه للآب في جوهره بل هو صورة الآب الكاملة وبهاؤه. الابن هو حكمة الآب (1كو24:1) فكيف يوجد زمان يكون فيه الآب بدون حكمته. لذلك فحين تجسد الابن رأينا فيه الآب على قدر ما نحتمل. الذي رآني فقد رأى الآب (يو9:14). نحن لا يمكننا أن نرى الآب ولكن رأينا رسم جوهره متجسدًا، لذلك أدركنا الله في شخص المسيح وفي أعماله.

وَحَأمِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ = هنا نرى المسيح ضابط الكل لا يفلت منه شيء هو خلق العالم ومازال يضبطه ويتحكم فيه ولكننا نراه كراعٍ يحملنا فيه لنكون فيه تحت حمايته، يحملنا كما يحمل الراعى خروفه وكما تحمل الأم طفلها تغذيه وتتعهده برعايتها. يحمل أحزاننا وأفراحنا، يحملنا ليدخلنا إلى أفراحه.

بعد ما صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا = لأنه حامل كل الأشياء بكلمة قدرته تجلت إمكانياته الإلهية ليس فقط في خلقته إيانا من العدم، ولكن بعد أن فسدت طبيعتنا وهربنا من وجه الآب نزل لعمق الإنسان وحمل خطايانا مقدما ثمنها عل الصليب ليردنا إلى بيت الآب، وهو الآن يشفع فينا خلال ذبيحة نفسه. والتطهير شمل التقديس والتبرير والتبني لله الآب والميراث (1كو9:6-11).

جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ = (مز6:45) + (مز1:110) + (عب2:12). المسيح بعد صعوده جلس عن يمين الآب. وكلمة اليمين لا تفيد معنى المكان (ونلاحظ في نفس المزمور أن الآب عن يمين الابن (مز1:110، 5) إذاً اليمين ليس مكان، فالله في كل مكان ولكنها بمعنى المجد والكرامة. وجلوس الابن عن يمين الآب يشير للمساواة مع الآب فلا يتساوى مع الله غير الله ولنلاحظ أن الملائكة تقف أمام الله تغطى وجوهها (إش2:6). هذه قيلت بعد أن أخلى ذاته آخذاً صورة عبد. فهو بناسوته أخذ صورة عبد، وأخذ ناسوته وتمجد به وهذه تساوي جلس في يمين العظمة.

وقوله العظمة هو تعبير يميز جلال الله ومجده فوق كل شيء وكل مجد دنيوي. ولنلاحظ أن المسيح نزل وبعد أن نزل صعد، نزل إلينا وصعد ليصعدنا معه، ارتفع ليرفعنا معه وفيه وبه نجلس حيث هو جالس، ارتفع الرأس ليرفع معه الجسد.