كولوسي 2: 4-7

وانما أقول هذا لئلا يخدعكم أحد بكلام ملق. فاني وأن كنت غائبا في الجسد لكني معكم في الروح فرحا وناظرا ترتيبكم ومتانة إيمانكم في المسيح. فكما قبلتم المسيح يسوع الرب اسلكوا فيه. متاصلين ومبنيين فيه وموطدين في الإيمان كما علمتم متفاضلين فيه بالشكر.

بِكَلاَمٍ مَلِق = أي كلام له بريق وباطنه يحمل سمًا مميتًا، وهذا هو هدف إبليس أن يخدع المؤمنين بشيء آخر خارج عن المسيح ليميتهم، هكذا فعل مع حواء. والغنوسيون خدعوهم بأن الانتفاخ بالمعرفة بعيدًا عن المسيح فيه الخلاص. ولاحظ الخداع هنا أنه كان باللعب على وتر الأنا والكبرياء والغرور، فالمعرفة عند الغنوسيين هي للكاملين الناضجين بإستعمال العقل الإنساني، وكل من يسمع هذا يود لو كان من الكاملين وليس من البسطاء بحسب تقسيم الغنوسيين. وهذا هو خداع الحية، النغمة التي ترضي الذات فتنتفخ.

هدف الرسالة أن المسيح هو رأس الكنيسة، وهو مصدر كل خيراتها، وهو قوتها وحافظها "فيه يقوم الكل" (كو1 : 17). وهو مدبر كل أمورها، هو يحملها ويجول وسطها يحميها (رؤ2 : 1 + إش66 : 12). والرسول يحذرهم أن لا يخدعكم أحد بأن هناك مصدر آخر. لا عقولنا ولا فلسفاتنا ولا قوتنا البشرية كما يقول الغنوسيون، لذلك قال المرنم "لاَ يُسَرُّ بِقُوَّةِ الْخَيْلِ. لاَ يَرْضَى بِسَاقَيِ الرَّجُلِ" (مز147 : 10). ومن ناحية أخرى يشير إلى أن الناموس غير قادر أن يطهر أحد بطقوسه كالختان أو الذبائح، فالمسيح صار هو بدمه يطهرنا، والتي كانت الذبائح مجرد رمزا لصليب رب المجد (كو1 : 20 + رؤ7 : 14).

وَنَاظِرًا تَرْتِيبَكُمْ وَمَتَانَةَ إِيمَانِكُمْ = هذا ما أخبره به أبفراس فأراد الرسول أن يثبتوا على الإيمان الذي تسلموه. والرسول بالرغم من بُعْده عنهم فهو في سجنه في روما منشغل بهم في أفكاره وإهتماماته، يصلي لأجلهم، فكأنه يعيش معهم لكِنِّي مَعَكُمْ فِي الرُّوحِ. والروح الإنسانية هي عنصر الاتصال بين الإنسان والروح القدس. فقولنا إنسان روحي يعني أن روحه الإنسانية خاضعة للروح القدس، الروح القدس يقود الروح الإنسانية، والروح الإنسانية تقود الجسد. وقول الرسول هنا لكِنِّي مَعَكُمْ فِي الرُّوحِ يعني أن بولس الرسول منشغل بحال كنيسة وشعب كولوسي ويصلي لأجلهم، والروح القدس يعطيه تعزية ويطمئنه عليهم، أو أن الروح القدس يعطيه إرشاد بالتعليم الذي يوجهه لهم ليصحح أي خطأ عقيدي تسلموه من المتهودين أو الغنوسيين. وراجع تفسير الآيات (كو1 : 9 - 11).

مَتَانَةَ = تعبير عسكري يشير لجيش قوي مرتب قادر أن يصد غارات العدو الذي يحاول فتح ثغرة في جبهة القتال.

فَكَمَا قَبِلْتُمُ الْمَسِيحَ اسْلُكُوا فِيهِ = فَكَمَا قَبِلْتُمُ الْمَسِيحَ (so then, as you received Jesus as Lord and Christ) والمقصود إستمروا على ما تعلمتموه من أبفراس عن المسيح ولا تنحرفوا وراء الأفكار المنحرفة التي تحاول خداعكم. وقوله "اسلكوا فيه" تعني ثباتهم في المسيح وإتحادهم معه، لا يشغل فكرهم ولا قلوبهم سواه، وإن فعلوا وأحبوا المسيح لهذه الدرجة، وملأ حبه قلوبهم، لن يستطيع عدو الخير أن يجد مكانًا في قلوبهم لأي محبة للعالم ولا لفكر غريب، فالقلب ملآن غير قابل أن ينشغل بشيء آخر وقوله "اسلكوا فيهفهو الطريق وعلينا أن نثبت فيه يفهم منه أن من يثبت فيه، وهو الطريق المؤدي للآب، يصل لحضن الآب. والثبات فيه يكون:

  1. لمن آمن واعتمد ويحيا حياة توبة متبعا وصايا الكتاب. مثل هذا تصير له حياة المسيح . ويستخدم المسيح أعضاءه كآلات بر .
  2. دائم التناول من جسد الرب ودمه.
  3. لا ينكر إيمانه.

مُتَأَصِّلِينَ وَمَبْنِيِّينَ فِيهِ  ROOTED AND BUILT UP IN HIM

مُتَأَصِّلِينَ... فِيهِ = التشبيه هنا بالنبات، وهذا له جذور تمتد في باطن الأرض، وكلما كان الجذر عميقًا يحصل على المياه فينمو النبات، وكلما كان قويًا ينمو النبات. لذلك كانت دعوة المسيح "أدخلوا إلى العمق". فكلما دخل المؤمن للعمق يصل للمياه (الروح القدس) فيكون غرسًا روحيًا. ولاحظ قوله فيه فنحن كلما نثبت في المسيح ونتحد به ندخل للعمق فنرتوي من مياه الروح القدس وننمو فيه، فالروح يحل علينا فقط لأننا متحدين وثابتين في المسيح (أف 15:4). فأعضاء الجسد لابد وأن تنمو. ولا نمو إلاّ لو كنا ثابتين فيه ولا إرتواء من العمق إلاّ لو كنا ثابتين فيه. وكيف نثبت فيه كمؤمنين؟

  1. طبعًا مادمنا مؤمنين فلا محل للكلام عن الإيمان والمعمودية، فهذا موجود.
  2. تكون حياتنا منسجمة مع المسيح بلا سماح بأي إستخفاف بالخطيةوأن نسلك في قداسة. والتناول المستمر من جسد الرب ودمه.
  3. التمسك بالإيمان القويم، المسلَّم مرة للقديسين (يه 3).
  4. السلوك بمحبة نحو كل إنسان. فالله محبة، وحياة بلا محبة لا يحتملها الله.
  5. الالتصاق المستمر بالله (صلاة - دراسة كتاب - تسبيح - اجتماعات......).
  6. زيادة أصوامنا كوسيلة للزهد في محبة العالم. فالصوم والصلاة أسلحة ضد إبليس، كما قال السيد المسيح.

باختصار يكون المسيح كل حياتنا. نحن كنا متأصلين في آدم حين سقط، لذا إشتركنا في عواقب الخطية. وهكذا صرنا متحدين مع المسيح كرأس جديد ، ولنا الإشتراك معه في الحياة التي يحياها الآن، وننتظر أن ننضم إليه في المجد العتيد أن يُستعلن فينا.

ولكن :- نفهم مما سبق أنه لكي ندخل إلى العمق ونمتلئ من الروح القدس علينا أن نثبت في المسيح. ولكن أيضًا الذي يثبتنا في المسيح هو الروح القدس الذي يسكن فينا بسر الميرون، الذي نسميه أيضًا سر التثبيت (2كو1 : 21 ، 22). فمن أين نبدأ؟ أجاب الرب على هذا السؤال في (مت7 : 24 - 27) حينما علَّمَ بأن من يسمع أقواله أي وصاياه ويعمل بها يثبت فيه. وكلما ثبتنا في المسيح ندخل إلى العمق أي نمتلئ من الروح. والبداية هي التغصب على حفظ الوصايا (مت11 : 12). وكلما فعلنا نمتلئ بالروح، وهنا تزداد النعمة أي القوة التي يعطيها الروح القدس لتعين (رو8 : 26). وهنا يصبح حفظ الوصايا سهلا كما قال الرب "لأن نيري هين وحملي خفيف" (مت11 : 30). وهذا ما إختبره بولس الرسول فقال " لنطرح كل ثقل، والخطية المحيطة بنا بسهولة، ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا" (عب12 : 1). فهناك جهاد (تغصُّب) ولكن هناك نعمة تعين من يريد أن يبرأ، فتصبح مقاومة الخطية سهلة.

مبنيين... فيه = التشبيه السابق كان المؤمن مشابهًا لنبات ينمو، وهنا يشبه المؤمن بحجارة حيَّة في مبنى أساسه المسيح. وهذان المثلان سبق للرسول استخدامهما في (1كو 9:3). والمبنى يشير لتراص المؤمنين في محبة ليكمل البناء. وثباتنا في المسيح هو السبب في أنه يعطينا حياته "لي الحياة هي المسيح" (في 21:1) + "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل20:2). وبهذا نكون حجارة حية.

مُوَطَّدِينَ فِي الإِيمَانِ= يوطد أي يثبت أو يرسخ. فقطعًا كلما تأصل المسيحي في المسيح يثبت إيمانه، الإيمان الصحيح الذي قبلناه عن طريق الرسل والكنيسة. وموطدين = غير مزعزعين. كَمَا عُلِّمْتُمْ = كما علمكم أبفراس وليس المتهودون أو الغنوسيون مُتَفَاضِلِينَ فِيهِ بِالشُّكْرِ = متفاضلين أي مكثرين أو فائضين أو يزداد إيمانكم فيه = أي في الإيمان. وكيف يزداد إيماننا؟ بِالشُّكْرِ. فمن يحيا شاكرًا على كل شيء يزداد إيمانه، ومن يحيا متذمرًا ينقص إيمانه، لذلك تعلمنا الكنيسة أن نبدأ كل صلواتنا بالشكر، ونشكر على كل حال وفي كل حال. وكلما ازداد الإيمان يزداد فرحنا فنشكر، وكلما عشنا حياة الشكر يزداد إيماننا. وهكذا...

لقد كانت البرية بالنسبة لشعب إسرائيل مدرسة للإيمان، علمهم فيها الله حياة الإيمان. (راجع مقدمة سفر الخروج تحت عنوان مدرسة الإيمان). فهم عرفوا الله بالعيان في مصر، عرفوه كإله جبار إذ رأوا بعيونهم الضربات العشر وشق البحر. لكن الله لا يمكن إرضاؤه إلاّ بالإيمان أي الثقة فيه وفي أحكامه كإله صانع خيرات (عب 6:11). فكان لا بُد أن ينقلهم الله إلى حياة الإيمان، فإننا في هذا العالم نسلك بالإيمان لا بالعيان (2كو7:5). والإيمان هو الثقة بأمور لا تُرى (عب1:11). وكان هذا بأن الله سمح لهم ببعض التجارب (ماء مر / لا ماء/ لا طعام...) وكان عليهم أن يذكروا أعمال الله السابقة معهم، ولكنهم تذمروا فلم يزداد إيمانهم، لم يستفيدوا من مدرسة الإيمان. والله يسلك معنا حتى الآن بنفس الطريقة، فهو يسمح ببعض التجارب، ومن يحيا حياة الشكر وسط التجارب واثقا أن الله سيتدخل، يرى يد الله حين تمتد لتنقذه من التجربة، فينمو إيمانه، ومن يتذمر يفقد رؤية يد الله فلا ينمو إيمانه، ولا يستفيد من درس التجربة، ولا يرضي الله.

 

 

 المصدر: موقع الانبا تكلا