كولوسي 3: 3-4

 

لانكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. متى اظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون انتم أيضًا معه في المجد.

 

لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ = نحن متنا بإنساننا العتيق في المعمودية. وقوله هذا "لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ" إجابة لما قال.. "اهتموا لا بما على الأرض". ومن يظل ميتًا عن الخطية وعن العالم تستمر فيه حياة المسيح التي أخذها بقيامته مع المسيح في المعمودية وهي حياة أبدية. وهذه الحياة الأبدية مستترة = لا تظهر أمام الناس لأننا نموت وندفن وتتحلل أجسادنا مثل باقي الناس. ولكن الحياة التي فينا هي حياة المسيح الذي قام بها من الأموات، وحينما نموت وندفن نكون كبذرة من البقول أو الحبوب حينما ندفنها يخرج منها شجرة (1كو15) وهذا لأن البذرة فيها حياة. ولكن إن كانت البذرة التي ندفنها بها سوس لن يخرج منها حياة. والسوس هو الخطية التي يجب أن نموت عنها. وهذا ما قاله السيد المسيح "من أضاع نفسه يجدها.. ومن وجد نفسه يضيعها". فقوله "أضاع نفسه" أي عاش كميت أمام خطايا وملذات العالم، مثل هذا يحيا المسيح فيه. ونلاحظ أنه عند قيامة المسيح في اليوم الثالث أن حياته الأبدية إتحدت بجسد مائت، وهكذا كل من يعمل على إماتة جسده وشهواته تثبت فيه حياة المسيح (رو 8: 10+ 2كو4: 11).

 

حياتكم مستترة = المسيح هو حياتنا، الله أحيانا روحيًا به "لي الحياة هي المسيح" (فى21:1) "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل20:2). هذه هي حياة النعمة التي نحياها الآن ولكن هذه الحياة لا تظهر أمام الناس، أي أنها مستترة لأن المسيح نفسه غير ظاهر. كل ما يظهر هو ثمار هذه الحياة. وما أخذناه الآن جعلنا بذرة حية، حياتها مستترة فيها والحياة التي في البذور، لا تظهر إلا بعد أن تدفن البذور وتموت، فتظهر شجرة جميلة والحياة التي أخذناها الآن ستظهر بعد أن نموت وندفن ونقوم بجسد ممجد. والمسيح سيظهر في نهاية الأيام وسنظهر معهُ في المجد (1يو2:3) + (فى21:3). الحياة التي فينا لا يشعر بها العالم غير المستنير ولا يعرفها، ولكن نشعر بها داخليًا.

 

أمّا الذي يرتد لحياة الخطية بعد المعمودية فيكون كبذرة دخلها السوس، متى زُرعت لا تعطي شجرة، فلقد اختفت الحياة من داخلها. وهذا معنى قول السيد من وجد نفسه (عاش يتلذذ بخطايا العالم) يضيعها (مت39:10).

 

في الله = ابن الله الوحيد هو الذي وحده "في حضن الآب" (يو1 : 18). وخلق الابن آدم (كو1: 16)، فكان آدم فيه. ولكن انفصل آدم ونسله عن الله بالخطية فماتوا. وتجسد الابن ليتحد بالطبيعة البشرية. المسيح وَحَّدنا به فصارت لنا حياته الأبدية التي قام بها من الأموات، وبتجسده حملنا فيه إلى حضن أبيه. ويمثل هذا في الكنيسة بما نسميه حضن الآب وهو الحائط الشرقي للكنيسة المواجه للمذبح. والمعنى أن من يتحد بجسد المسيح الموجود على المذبح يحمله المسيح إلى حضن أبيه السماوي. وهذا ما أعطانا هنا على الأرض أن نحيا حياة سماوية روحية مع الله، وفي مجد مستتر، وهذا معنى "أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع" (أف2 : 6). فأبونا هو الآب السماوي ورأسنا هو المسيح الجالس عن يمين الآب فصارت "سيرتنا (مواطنتنا) في السموات" (فى3 : 20). وهذا معنى أن الابن "طأطأ السموات ونزل" (مز18 : 9). ووجود المسيح ابن الله فينا جعلنا في مجد مستتر، فوجود الله في مكان هو حلول المجد في ذلك المكان "أكون مجدًا في وسطها" (زك2 : 5). أما في السماء فسيستعلن هذا المجد الذي فينا (رو8 : 17) وكانت هذه طلبة المسيح للآب "أيها الآب أريد ان هؤلاء الذين اعطيتني يكونون معي حيث أكون انا، لينظروا مجدي الذي اعطيتني، لانك احببتني قبل انشاء العالم" (يو17 : 24). لقد صار لنا الآن أن نحيا هنا على الأرض نتطلع للسماويات، حيث المسيح جالس ونتذوق حلاوتها وأفراحها، لكن ما نحصل عليه الآن هو العربون (أف1 : 14)، أما كمال الفرح فسيكون هناك في أمجاد السماء. ولكن هناك شرط حتى نتمتع بهذه الحياة السماوية وهو أن نحيا حياة الإماتة، أي نحيا كأموات عن الخطية لتظهر حياة المسيح فينا (رو6 : 11 + 2كو4 : 10 ، 11 + هذه الآيات كو3 : 1 - 6). ونرى في هذه الآية تحقيقا لطلب السيد المسيح من الآب في صلاته الشفاعية "ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط، بل أيضًا من اجل الذين يؤمنون بي بكلامهم، ليكون الجميع واحدا، كما انك أنت أيها الآب فيَّ وانا فيك، ليكونوا هم أيضًا واحدا فينا، ليؤمن العالم انك أرسلتني. وانا قد اعطيتهم المجد الذي اعطيتني، ليكونوا واحدا كما اننا نحن واحد. انا فيهم وانت فيَّ ليكونوا مكملين إلى واحد، وليعلم العالم انك ارسلتني، واحببتهم كما احببتني" (يو17 : 20 - 23).

 

ونلاحظ أن المسيح يطلب في (يو17 : 5) أن يتمجد جسده بمجد لاهوته الأزلي، ونرى أن هذا كان لحساب الكنيسة (يو17 : 22). ولكن نلاحظ قول رب المجد "والان مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم، وقوله عند ذاتك كانت تكرارا لقوله ذلك أيضًا في (يو13 : 32). فماذا يقصد السيد من قوله "في ذاتك"؟

 

لاهوتيا الآب في الابن والابن في الآب، ومجد الآب هو مجد الابن هو مجد الروح القدس، فالآب والابن والروح القدس إله واحد. وحين تجسد الابن وإتخذ له جسدا من العذراء مريم كان هذا الجسد مشابه لجسدنا تمامًا، إذًا كان جسد المسيح هذا بلا مجد وهو على الأرض.

 

وحين صعد المسيح بجسده أخذ هذا الجسد صورة المجد وهذا معنى "جلس عن يمين أبيه". وقول المسيح هنا اللهَ سَيُمَجِّدُهُ فِي ذَاتِهِ يعني أن جسد المسيح حين تمجد كان هذا ليس بالانفصال عن الآب. وصار المسيح بجسده كما بلاهوته في حضن الآب أي في الآب (يو1 : 1 ، 18) .

 

وهذا يعني بالنسبة لنا أن كل من يثبت في المسيح سيكون له مكان في حضن الآب أي في الابن وفي الآب. وسيكون لنا هذا بأجسادنا الممجدة. وهذا ما طلبه المسيح في صلاته الشفاعية للآب (يو17 : 21) . وهذا معنى قول السيد المسيح في (يو14 : 6) أنه هو الطريق الذي به نأتي إلى الآب، وأننا لا يمكن أن نأتي إلى الآب إلا به.

 

فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ.. فِي الْمَجْدِ = في السماء سيكون المجد علنيًا، "المجد العتيد أن يستعلن فينا" (رو18:8). المسيح سيظهر في مجده في نهاية الأيام ونحن معه. والمجد الآن مستتر في الله = الله هو مصدر حياتنا وحافظها وحياتنا مستترة فيه، فهو الحي مصدر كل حياة. والمجد سيستعلن فينا في الأبدية (رو8: 18).

 

 

 

 المصدر: موقع الانبا تكلا