كولوسي 3: 9-11

  

لا تكذبوا بعضكم على بعض إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله. ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه. حيث ليس يوناني ويهودي ختان وغرلة بربري وسكيثي عبد حر بل المسيح الكل وفي الكل.

 

لاَ تَكْذِبُوا = الكذب من أعمال إبليس، فهو الكذاب وأبو الكذاب (يو44:8). وهو صاحب أول كذبة في التاريخ على حواء. ولأنه أبو الكذاب فصار كل من يكذب إبنًا لإبليس. وإبليس مازال يكذب على الناس مصورًا لهم أن في الخطية سعادة وفرح. والكذب من أعمال الإنسان العتيق ولا يليق بأولاد الله. ومن يتسلط عليه الكذب تنقلب حياته تمامًا فهو سيبيح لنفسه أي عمل خاطئ. لذلك فالكذب يساعد على نمو كل الخطايا السالفة. الكذب هو إخراج الله الحق من المشهد، فكل من يكذب، يكذب على الله، ومن يتصور أن الله يقبل الكذب فهو يخطئ في حق الله.

 

لَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ = هذا تم بالمعمودية، ففي المعمودية لبسنا المسيح وصارت لنا طبيعة جديدة = هذا معناه أن تكون لنا صورة فضائله من محبة وخدمة وتواضع ووداعة.... (غل4: 19) و(راجع رو6ملحوظة:- في المعمودية مات الإنسان العتيق أي الشهوات القديمة الخاطئة. ووُلِدَ فينا إنسان جديد قادر على صنع البر. لكن الإنسان حر في أن يُحيي الإنسان العتيق بأن يرتد لشهواته ويهمل علاقته بالله، وهو حر أيضًا بل قادر بمعونة الروح القدس على أن يُحيي الإنسان الجديد وينميه وذلك بأن يقف كميت أمام الخطية، ويجاهد في صلاته وتسابيحه، أي أن يلتصق بالله تاركًا العالم بملذاته. فالمسيح أعطانا هذا الإنسان الجديد فماذا أعطت الغنوسية واليهودية في المقابل ؟

 

يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ = خلق الله آدم في الجنة، وكان آدم يرى الله ويعرفه ويعرف إرادته، وكان يحب الله قطعًا وهذا لأن الله حلو، إذا عرفه الإنسان يحبه. وأيضا لأن آدم كان مخلوقًا على صورة الله. والله محبة، فيكون آدم أيضًا مملوءًا من محبة الله. والله حين خلق الإنسان قال "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" فكان لآدم محبة وحرية وحكمة وقداسة وسلطان ... (راجع تفسير الآية تك1 : 26) وسقط آدم فاختبأ من الله، وكلما زادت الخطية ابتعد الإنسان عن صورة الله بل وعن معرفة الله، بل عبد آلهة أخرى ولم يعد يحب الله، ولا عاد يعرف إرادته وصار الإنسان ظلمة (أف8:5) وأحب العالم وشهوات العالم، وصارت لذاته في شهوات العالم. وجاء المسيح لفداء البشر، وأرسل الروح القدس ليجدد طبيعتنا.. فماذا عمل؟ كانت أول ثمار الروح القدس المحبة، بل صار يسكب محبة الله في قلوبنا (غل22:5) + (رو5:5) وكلما تزداد محبة الله في قلوبنا، ندرك الله إدراكًا فائقًا وللأمور الروحية أيضا، فبالمحبة يفتح الله سماءهُ وأسراره لنا (أف 19:3) . وكلما عرفنا أسرار الله ومحبة الله لنا والمجد الذي أعده لنا (1كو2: 10،9). نشتاق لنعرف أكثر، ونحب الله بالأكثر، وكلما نعرفه أكثر يزداد اتحادنا به وثباتنا فيه . وكلما عرفنا ماذا يعطيه الله لنا، إذ هو يملأنا بكل ما نحتاج إليه، نطلب أن نمتلىء منه، فنشبع به أي لا يعود فينا مكان لآخر. وهنا تتغير صورتنا إلى صورته بل نعكس مجده (2كو 18:3).

 

لقد أعطانا المسيح حياته، والروح القدس يقدسنا بأن يجعل كل عضو فينا مكرسًا لله، فيستعملنا المسيح، أي يستعمل أعضاءنا، تصير أعضاؤنا أعضاءً له. ومع الوقت نتحول لصورة له "يا أولادي الذين أتمخص بكم إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غل19:4) + "البسوا المسيح" (رو14:13). فالتجديد يكون بأن نعرف الله وندرك محبته فنشتاق أن يملأنا فنتحول إلى صورته، هذا ولن نعود إلى صورة آدم أبينا الأول، بل نتحول إلى صورة المسيح نفسه. والحب الذي سيملأ قلبنا لن يكون لله فقط، بل لكل خليقة الله، اليوناني واليهودي والبربري.. والتجديد ليس لواحد بل لكل الكنيسة. فيملأ المسيح الكل. المسيح هو الكل وسيملأ الكل = المسيح الكل في الكل. وحينما يملأ المسيح الكل، والمسيح محبة، فلا مكان لكراهية احد، لذلك سنحب الكل اليوناني و... وعملية التجديد أي النمو في المعرفة والحب تزداد كل يوم. فالمولود من الله ينمو. التجديد هو عمل جاء فينا بواسطة الروح القدس الذي يستعمل كلمة الله في أن نعرف الله. فبكلمة الله المكتوبة نعرف كلمة الله المسيح ابن الله الحيّ.

 

والتجديد كما يُفهم من أصل الكلمة اليوناني هو عملية تستمر طول الحياة وليس كما تقول بعض الطوائف أنها تتم في لحظة. وقوله يتجدد للمعرفة فيه إشارة لأن الذي يتجدد سيعرف إرادة الله ومشيئة الله وينفذها. ولكن كلمة يعرف تعني في الكتاب المقدس الإتحاد الذي يثمر حياة (راجع مت11: 25 – 30) والروح القدس يظل يجدد في حياتنا وكل ما نَتَنَقَّى نثبت بالأكثر ويزداد إتحادنا بالمسيح = للمعرفة أي للإتحاد والحياة. وقارن هذا الذي قيل مع قول السيد المسيح "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يو3:17) فعدم معرفة الله يعني عدم إتحاد به وهو الحياة. ومن جهة أخرى عدم المعرفة يعني جهل وظلمة ومعرفة آلهة أخرى، وملذات أخرى أي إستعباد وحزن وضياع. أما معرفة الله هي نور ومحبة وامتلاء وشبع ومجد وفرح أبدي لا ينتهي. إذًا إماّ أن يعرف الإنسان الله فيحيا حرًا في فرح ومجد، ويحيا ثابتا فيه للأبد أو لا يعرفه فيحيا في عبودية وظلام والنهاية الظلمة الخارجية أي موت. إماّ أن يعرفه فيتحول إلى صورته وإماّ لا يعرفه فيكون صورة للعالم، والعالم باطل وفانٍ.. فسيموت وينتهي للظلمة الخارجية.

 

يوناني = له مكانته المتميزة في المجتمع عندئذ وبعد فتوحات الإسكندر صارت اليونانية هي اللغة السائدة في العالم. بربري = بحسب مفهوم اليونانيين فإن البربري هو كل من لا يتكلم اليونانية ومقصود بالكلمة الجاهل والهمجي. يهودي = هذا يعتز بأنه ابن إبراهيم، وهو الذي يعرف الله وله الشريعة والمواعيد. وفي نظر اليهودي فإن بقية الأمم ما هم إلاّ كلاب نجسة. وكان الرومان واليونانيون يحتقرون اليهود. وكان اليهود يحتقرونهم. سكيثي = من سكان شمال البحر الأسود وهم من التتار، وهم من أشد البربر وحشية وتخلفًا. حر = كان للسيد أن يقتل عبده دون مساءلة من أحد. وفي المسيح صار كل هؤلاء واحدًا.

 

الْمَسِيحُ الْكُلُّ فِي الْكُلِّ = الوحي هنا لا ينظر للمؤمنين كأفراد متفرقين بعضهم عن بعض بل كمن هم مخلوقون ثانية في المسيح، الذي هو حياتهم ورأسهم. ولذلك انتهت حياتهم السابقة وفروقهم الجنسية، الكل صار لابسًا المسيح وخالعًا إنسانه العتيق. صار المسيح لنا كل شيء لا نحتاج سواه، وهو حياة كل مسيحي معمَّد، هو كل شيء لنا وللخليقة كلها، فهو خلقها ويحفظها لذلك هو الْكُلُّ فِي الْكُلِّ = المسيح هو كل شيء للمسيحي الذي عرفه حقيقة، فلا يحتاج سواه، هو كل شيء وكل ما في العالم لا شيء بجانبه، هو يحوي الكل ، الكل فيه وهو في الكل "اثبتوا فيَّ وأنا فيكم" (يو15: 4) . المسيحي الفاهِم يعرف أنه مهما كان مركزه فهو لا شيء هو تراب بل تراب خاطئ، وقيمته هي في أن المسيح فيه. إذًا ما الفرق بين فقير لا قيمة له وغني هو أيضًا لا قيمة له فكليهما من تراب، وما يعطي كل منهما، الفقير والغني، قيمته هو المسيح الذي فيهما. والمسيح واحد. المسيح هو هدفنا الوحيد الذي ننظر إليه، هو فينا كلنا كحياة لنا، هو وحده يشبعنا من كل ما نحتاج إليه، هو ما نرجوه في أبديتنا. ولاحظ أن الرسول يركز دائمًا على المسيح ليرد على الغنوسيين. وهذه ضربة موجهة لليهود والمتهودين الذين يشعرون بكبرياء لكونهم يهودًا. وضربة للغنوسيين الذين يشعرون بتميز لمعرفتهم وفلسفاتهم. ولليونانيين الذين يشعرون بتفوقهم ويسمُّون الآخرين برابرة.

 

ملحوظة :- الذي يتجدد حسب صورة خالقه أي يستعيد الصورة التي خلقها الله أولًا في المحبة والحكمة والسلطان (أنظر سلطان القديسين على الحيوانات مثلا) ولكن هذا يكون للإنسان المملوء بالروح، مملوء محبة، مات الإنسان العتيق الذي فيه، المسيح حياته، المسيح يستخدم أعضاءهُ كآلات بر. لا يخطىء، وإن أخطأ يشعر بتبكيت شديد فيقدم توبة سريعة، كل هذا ناشىء من أنه عَرِف الله وعرف مشيئته وأصبح غير قادر أن يخالف مشيئة الله لأنه أحبه، ولأنه حينما يخالفه يضربه قلبه بشدة، أصبح مختبرًا ماذا يرضس الله مثل هذا يكتسب صورة المسيح حينما كان المسيح على الأرض، وفي السماء أيضًا ستكون له صورة المسيح في مجده. راجع (1صم24: 4-6) + (1يو9:3) + (أف10:5) + (فى21:3) + (1يو2:3) + (غل19:4).

 

 المصدر: موقع الانبا تكلا