فيلبي 1: 9-11

  وهذا أصليه أن تزداد محبتكم أيضًا أكثر فأكثر في المعرفة وفي كل فهم. حتى تميزوا الأمور المتخالفة لكي تكونوا مخلصين وبلا عثرة إلى يوم المسيح. مملوئين من ثمر البر الذي بيسوع المسيح لمجد الله وحمده”.

 

حينما اختبر بولس هذه المحبة التي يعطيها الله طلب أن يملأ الله شعب فيلبي من هذه المحبة.

 

أن تزداد محبتكم.. في المعرفة: بولس الذي اختبر المحبة التي وضعها المسيح في قلبه يصلي لكل أهل فيلبي أن يمتلئوا من هذه المحبة. محبة بولس لهم ترجمها إلى صلوات من أجل أن تزداد محبتهم وتنمو، فيكون لهم خلاص لنفوسهم. فالمحبة هي تمام الناموس وتمام الإنجيل، وهي لله أولًا ولكل إنسان حتى الأعداء، هي علامة حلول روح الله القدوس فينا (غل 22:5) + (رو5:5) وبدون محبة لا خلاص إذ أننا سنكون فاقدين لصورة الله. وهناك ارتباط جوهري بين المحبة والمعرفة. فكلما زادت المحبة زادت المعرفة (أف16:3ـ19). وهذه مثل رجل غني له قصر عظيم، فأنت لن تدرك عظمة هذا القصر، ولا أفكار وخطط هذا الرجل العظيم ما لم تدخل إلى قصره، وهذا لن يحدث إلاّ لو دخلت في علاقة محبة مع هذا الرجل، حينئذ يدعوك إلى قصره فتعرف عنه أشياء عجيبة، هكذا إذا دخلنا في علاقة حب مع الله سيعطينا أن نعرف أمجاده بل أعماقه (1كو 9:2-12). وأيضًا كلما زادت معرفتنا بالله تزداد محبتنا له. وهذا يأتي بمعرفة كلمة الله في الإنجيل، وبالصلاة يكشف لنا الروح القدس عن من هو المسيح (يو14:16). وكلما اكتشفنا من هو المسيح نزداد حبًا له.. وهكذا كلما ازداد الحب ازدادت المعرفة، وهكذا إذ دخل إبراهيم في حالة حب مع الله قال الله: كيف أخفي عن عبدي إبراهيم ما أنا فاعله. وكلما ازدادت المعرفة ازداد الحب. لماذا؟ الإجابة: لحلاوة شخص الله فكلما نكتشف شخص الله وحلاوته نحبه بالأكثر وهذه حلقة لا تنتهي بل هذه هي الحياة الأبدية (يو 17: 3). إذًا كلما ازداد الحب ازدادت المعرفة وكلما ازدادت المعرفة ازداد الفرح، وكلما ازدادت المعرفة وازداد الحب ازداد الإيمان والثقة في الله. فإذ عرفنا قوته وقدراته، وأنه لمحبته يوجه كل هذه القدرات لنا نزداد إيمانًا به. وهذه هي أول طريقة لزيادة الإيمان. والطريقة الثانية أشار إليها القديس بولس الرسول في (كو 7:2). "موطدين في الإيمان.. متفاضلين فيه بالشكر” فمن يحيا شاكرًا الله في ضيقاته يرى يد الله ويعرفه فيزداد إيمانه.

 

وفي كل فهم: المعرفة هي المعرفة المجردة. والفهم هو في تطبيق ما عرفناه فيصبح الإنجيل إنجيل معاش. فالفداء معرفة ولكن الفهم كيف أعيش هذا الكلام، وكيف أنفذ وصايا من أحبني وأقبل صليبه. وبهذا تزداد معرفة المسيح وبالتالي يزداد الحب له، وتبعًا لذلك يزداد الإيمان به، فلا نهتز ولا ننهار أمام  التجارب مهما كانت شديدة وعاتية، وهذا معنى مثل البيت المبني على الصخر الذي لا ينهار من العواصف والرياح والأنهار (مت 24:7-27). والمقصود أن من ينفذ التعاليم ولا تظل تعاليم المسيح مجرد تعاليم نظرية (معرفة) بالنسبة له بل تتحول إلى حياة، سيعرف المسيح وتزداد المحبة وبالتالي الإيمان، فلا يشك وقت التجربة.     

 

حتى تميزوا الأمور المتخالفة: من يمتلئ معرفة ومحبة سيميز الأمور المتخالفة وفي ترجمة أخرى " لكي تستحسنوا ما هو أفضل " فالمسيحية ليست ديانة الحرام والحلال بل اختيار الأحسن من الحسن. هي إنسان قد تذوق، ومن تذوق سيكون له القدرة على التمييز ليس بين ما هو باطل وما هو خير، بل ما هو الأحسن في الأمور المعروضة علينا. عمومًا زيادة المحبة تعطي استنارة فيكون للإنسان تمييز الأمور المختلفة. وهذا يحدث لمن له النظرة البسيطة "فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرًا" (مت22:6). والعين البسيطة هي التي تبحث فقط عن مجد الله، تطلب فقط أن تعرف الله وتعرف كل شيء عنه، فتعرفه، فتحبه، فتعطيه المجد. فيحل المسيح نور العالم في هذا الإنسان فيصبح نيرًا.

 

مُخِلصِينْ: معناها في اليونانية مُخْتَبَرين في نور الشمس الكامل وَوُجِدْتُمْ أنقياء بلا عثرة إلى يوم المسيح: أي حتى يأتي المسيح للدينونة. بلا عثرة: لا تعثروا أحدًا.   ثمر البر الذي بيسوع المسيح: بر القديسين لا يحصلوا عليه بالناموس ولا بالطبيعة ولكن بالثبات في المسيح والاتحاد به، لنصير كغصن في كرمة، والغصن لا يأتي بثمر إن لم يثبت في الكرمة (يو4:15). والثبات في المسيح يأتي بالإيمان والمعمودية وحياة التوبة والجهاد وذلك للامتلاء بالروح القدس الذي يثبتنا في المسيح فنثمر (2كو21:1). ونلاحظ أن البر هو المسيح، ولا بر سوى بحياة المسيح فينا (غل20:2) + (فى21:1) + (رو10:5). ولماذا لا يحيا المسيح فينا؟ ببساطة لأننا لم نقبل الصلب مع المسيح. "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ".

 

لمجد الله وحمده: الحياة في المسيح لها ثمرها الذي سيظهر في حياتنا وهذا سيؤدي إلى مجد الله حين يرى الناس أعمالنا الصالحة فيمجدوا أبانا الذي في السموات (مت 16:5).

 

 

 

 المصدر: موقع الانبا تكلا